الحِقد على الحضارات الأصيلة

الحِقد على الحضارات الأصيلة

تُعرّف الحضارات الأصيلة “Unrelated civilizations” أو “Original civilizations” حسب المؤرخ توينبي: وهي الحضارات التي لم تُشتق من حضارات أخرى, أي أنها نشأت من الأدوار البدائيّة الأولى في عصور ما قبل التاريخ قبل ملايين السنين. وهي حضارات بلاد الرافدين وحضارة وادي النيل وحضارة الشرق الأقصى (الحضارة الصينية) وحضارة المايا والأزتك في أميركا الوسطى وحضارة وادي نهر السند والتي ترتبط بحضارة بلاد الرافدين (مصدر1).

ولو تتبعنا مسار الشعوب المنبثقة من تلك الحضارات في العصر الحديث, فنجد بأنها كانت تحت الضغط المستمر من الدول التي أخذت عناصر الحضارة منها, فأصبحت لديها عقدة بالنقص تحاول إرضائها عبر القضاء أو الانتقاص من أصحاب تلك الحضارات الأصيلة. وكذلك لأن تلك الشعوب صاحبة الحضارة هي كانت قد طوّرت شرائع وعبادات دينيّة خاصّة بها, ومجتمعاتها تمتلك الفطرة السليمة فيعرفون الفرق بين الرجل والمرأة ولديهم عائلة مترابطة ومجتمع تَحكمه قوانين أخلاقيّة مُشددة مثل الاحترام والحب للأبوين من قبل الأبناء, وللكبار من قبل الصغار وهكذا.

وأمّا الدول الهجينة التي نشأت من المستعمرات الأوروبيّة مثل أميركا وكندا واستراليا وإسرائيل, فهؤلاء يكرهون كل ما تُمثّله الحضارات الأصيلة ويسعون للقضاء عليها, كما ويناقضون كل مفاهيمها الإنسانيّة التي أتت من تطوّر مجتمعاتهم عبر آلاف السنين.

حيث يعود الأوربيون في حضارتهم الأقدم إلى عهد اليونان في القرن الثامن ق.م. وهي حضارة مُقتبسة من حضارات بلاد الرافدين ومصر وأستمر اقتباسهم من تلك الحضارات عبر الفلاسفة اليونانيين القدامى في عهد فيثاغورس وطلابه خلال القرن السادس ق.م. ولكن السيطرة الكاملة على الحضارتين الأصيلتين أتت عندما احتلوهما خلال عهد الإسكندر في القرن الرابع ق.م. وبعد ذلك خلال الاحتلالات الرومانيّة المتقطّعة لبلاد الرافدين ومصر في القرن الأول الميلادي, وخلالها سعوا إلى تغيير دياناتها إلى المسيحيّة بالقوّة ولكي يذيبوا تلك الحضارات العريقة في بودقة الدين الواحد ويبعدونها عن أن تعود لتكون حضارات قوميّة.

وعلى نفس المنوال في العصر الحديث, فقد سَعت تلك الدول الهجينة أو الناتجة من الحضارات المُقتبسة إلى احتلال وتدمير باقي الحضارات الأصيلة فاحتلوا الصين وأهانوها وكذلك الهند وقسّموها. وقاموا بالقضاء على حضارة المايا والأزتك في أميركا وأبادوا سكانها الأصليين البالغين 112 مليوناً عن بكرة أبيهم (مصدر2). ولم يدّخروا وسعاً في تدمير بلاد الرافدين وقتل شعبها سواء في العراق أو في سوريا, وكذلك مصر التي يترصّدون الإيقاع بها ويحيكون المؤامرات المستمرة حولها. ولم يَسلم من بطشهم حتى الأسكيمو في القطب الشمالي والبريجنيز في استراليا ونيوزيلاندا, برغم كونهم ليسوا بناة حضارة ولكن لأنهم يمثلون تاريخاً منفصلاً له جذور وعبادات وعادات ولم ينشأ مجتمعهم نتيجة للأفكار التي يروّجون لها.

أنّ الدول الأوربية التي بدأت مع عصر النهضة الصناعيّة, وخاصة بريطانيا وفرنسا وبعد ذلك الولايات المتحدة التي تسيّدت تلك الدول لاحقاً. فأصبحت تحاول القضاء على الحضارات الأصيلة مستخدمة جميع وسائل الإبادة من حروب اقتصاديّة واحتلالات عسكريّة إلى وسائل استخبارية عبر أثارة الحروب الأهليّة وحروب الوكالة ضدها, وحتى أستخدام أسلحة الإبادة الشاملة بنشر الأوبئة والأمراض والتلوّث. ولم تُترك أي من تلك الحضارات الأصيلة بحالها, ولا حتى اليونان الأوروبيّة التي تُمثل أقدم حضارة أوربيّة. وإن كانت حضارتها مُشتقّة من الحضارات الأصيلة ولكنهم لم يدخروا وسعاً في أذلالها وتركيع شعبها فأصبحت الآن مُباعة بالكامل كدولة إلى الشركات التابعة لهم وخاصّة الألمانيّة.

ربما عَكست أحداث بطولة كأس العالم التي جَرت في قطر 2022 والهجوم الإعلامي عليها بعد ذلك, مقدار الحقد على باقي شعوب العالم, كونهم في حقيقتهم ينظرون لتلك الشعوب من خلال كونها شعوباً أدنى مرتبة في سلم الإنسانيّة, وهذا يكون تبريرهم عن احتلال وتدمير تلك الشعوب والبلدان وفقاً لمبدأ تفوّق الأجناس الذي يكون من المسلمات لدى شخصيات الدولة العميقة التي تحكمهم. ولهذا فلا يستطيعون السماح لتلك الشعوب بنشر جانب حضاري متطوّر ولأنه يناقض الصورة النمطيّة التي زرعوها لدى شعوبهم لتبرير الوحشيّة التي عاملوا بها تلك الشعوب عبر تاريخهم.

وبالمقابل فهم لايكفّون عن نشر ثقافة الانحلال والسقوط والتحلل والعبوديّة الطوعيّة والتنظير لها بكونها تطوّر, فلا يجب أن يكون هنالك شيء أسمه شرف ولاتبقى فتاة غير متزوجة وهي باكر ولايبقى رجل كامل ولاتبقى صلة رحم ولا قرابة وأخوّة, ولايبقى إنسان حُر يَعمل لنفسه وعائلته. وإنما الجميع يجب أن يتحوّل ويصبح مثل النموذج الذي يروّجون له, فلا يعرفون آبائهم ولا يكترثون لأبنائهم وأن يصبحوا عبيد لدى شركاتهم التي ابتلعت الأرض والسماء. وأيضاً فيجب أن يتم تَسفيه جميع الأديان والقضاء على فلسفاتها ولكي يصبح الوضع ملائما ً لنشر عبادة الشيطان عبر اللّواط الذي هو من طقوس ديانتهم السريّة.

سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ

المصادر

1. كتاب: مقدمة في أدب العراق القديم, ص9

2. مقالة: استأصلوا هذا الجنس اللعين: إبادة 112 مليون أمريكي في حروب جرثومية

الإعلان

الحرب الوهميّة لأشعار الگوالات

الحرب الوهميّة لأشعار الگوالات

“في المرة الأولى قلت للشيطان: أبتعد عن معارفي.

في المرة الثانية قلت للشيطان: أبتعد عن أحبابي.

في المرة الثالثة قلت للشيطان: لن أتركك أيها الشيطان.

سوف أقتل الشيطان قتلاً وأرميه في نهاية هذا العالم” كتاب الإنياني

الگوالة هي مهنة قديمة منذ العصر السومري وأتت من گالا السومريّة وتعني المغنيّة, وهي خاصّة بالنساء لتقديم أدب المراثي وتسمى أيضاً بالمرأة النائحة أو العدادة أو أم البكاء. حيث يتم تأجيرها خلال وقت الأحزان والمصائب لكي تُزيد من حالة الحزن والغضب فتؤلف لهم الأشعار لتهيّجهم وتصل بهم لحد الانفجار. وفي كتاب الكنزا ربا اليسار كانت الگوالة هي الروهة التي أتت إلى حواء بعد صعود آدم لكي تجعلها تلطم وتحزن, فأتى هيبل زيوا وطردها وعلّم حواء الصلاة على نشمثا آدم ومنعها من البكاء.

يُعد الثأر مُحرّماً في التعاليم المندائيّة ويُحاسب الذي يُفكر بتلك الطريقة ولن يكون من الكاملين. ولأن الحِقد هو الأساس الذي يدفع للثأر وليس تحقيق العدالة. فعندما يزداد الحِقد لدى الشخص الموتور تتعاظم لديه الرغبة بالانتقام فتصل للدرجة التي تدفعه لأن يسعى لألحاق الأذى بالمُعتدي أو بأقاربه حتى وإن كانوا أبرياء. وتلك الثقافة كانت موجودة في المجتمعات العربيّة البدويّة القديمة.

وحيث أنّ الأقليات من المندائيين والمسيحيين واليهود وغيرهم خلال الفترات التي تَلت الفتح الإسلامي للعراق مروراً بالحكم العثماني, كانوا تحت حماية العشائر العربيّة التي تمنع عنهم الأذى. وبالمقابل فهم كانوا يُساهمون ماديّاً في أحتياجات تلك العشيرة ضمن ما يُعرف بالجرش العشائري. ولهذا فقد انتقلت تلك الأفكار عن أخذ الثأر لدى المجتمع المندائي في ذلك الزمان.

لقد كنا قد بينّا تفاصيل جريمة قتل شيوخ العائلة المندويّة وإضعاف دارتهم (مصدر). وكانت هنالك عائلة تلطّخت أياديهم بدماء الشيوخ الزكيّة بسبب رفض الشيوخ أجراء الطقوس الدينيّة لهم. فقتلوا جدنا الشيخ عيدان في مزرعتهم المغلقة وفي يوم البرونايا وبعد ذلك بفترة قدّموا الرشى للحاكم العثماني الفاسد للقضاء على باقي الشيوخ من العائلة المندويّة العريقة, فاتّهموا الشيخ صَحَنْ وأبنائه بأنهم من أتباع ثورة حسن خيون الأسدي, وكما أتت تفاصيل ذلك الاتهام في المراسلات القنصليّة للأرشيف البريطاني. وبالتالي فقد قتلوا رئيس الطائفة الشيخ صَحَنْ في السجن مع أبنه جابر وشرّدوا باقي أبنائه إلى الأهواز, وهددوا المُتبقين من أبناء عمّهم بالقتل إن فتحوا تلك القضيّة أو اتهموهم.

وحسب تفكيرهم في ذلك الزمان ولكي يدفعوا عنهم مطالبات الانتقام التي قد تأتي من العائلة المندويّة وباقي العشائر المندائيّة بعد تلك الجريمة, فهم كانوا قد أستعانوا بخدمات إحدى الگوالات من أقاربهم ويسميها حفيدهم بالشاعرة!

وهذه الگوالة كَتبت لهم الأشعار التي تضع العداء بين شيوخ العائلة المندويّة وباقي العشائر المندائيّة, بل وحتى ضمن أفخاذ العائلة المندويّة نفسها ولكي يقطّعونها ويبعدونها عن أن تعود لتأخذ بثأرها, فيبعدونهم عن شيوخهم.

لقد كانت تلك الفِتنة التي كَتبتها الگوالة نائمة منذ ما يزيد عن القرن وربع, حتى بدأ المنبوذ الذي نَبذه أعمامه وأخوته, فأخذ يشهّر بأجدادنا طوال الفترة السابقة بتلك القصّة التي لم يكن يعلم بأنها ستنقلب وبالا عليه وتكشف تفاصيل جريمة أجداده. ثمّ أتى أحد الحاقدين على الدين المندائي وتعاليمه ولأنه لم يتمكن من تمرير أهدافه التي رسمتها له الصهيونيّة في أدخال أبنه للسلك الديني والسيطرة عليه, وأصبح هدفه لاحقاً نشر الفتنة في أطار سعيه لتدمير الدين والمجتمع المندائي. فأخذ القصّة من حفيد تلك العائلة وجمع معها كل الأوساخ من منشورات النميمة وتحريفات المستشرقين, ومن كل حدب وصوب وخاصّة ما كان منها يطعن بالدين ورجال الدين, فمن المعروف بأن الانتقاص من أية مجموعة دينيّة يتم عبر إهانة قادتها القدامى. ثم وضعها في كتب رخيصة تُحرّف تعاليمنا وديانتنا وجميعها تستند إلى مصادر شفويّة لا يوجد لها أي توثيق لافي الكتب الدينيّة ولافي أي مصدر محترم. وبعد ذلك جَمع الأشعار المسيئة والتلفيقات وبدأ بمحاولات ضرب العوائل مع بعضها البعض, عبر إثارتها في مواقع النميمة وتهييجها بعضها على بعض عبر وكلائه وسماسرته الذين يلهثون وراء الدولار, فبعضهم يمجد به وبعضهم يجمع له الكتب الدينيّة وبعضهم ينشر له الفتنة. وحتى أن جميع الخلافات بين رجال الدين الحاليين وداخل الطائفة مرتبطة بيده الخبيثة. أمّا هو فجميع تفاصيله الشخصيّة التي جعلت منه عدواً للمندائيين ولشيوخهم ومعها قصة عمالته لإسرائيل, هي موثّقة بالدلائل ومعروفة للجميع.

أنَّ من يُصدّق بأن حِقداً كبيراً مكتوباً بصيغة أشعار شعبيّة رَخيصة وإباحيّة وكتابات نميمة تافهة, قد أنتقل منذ ما يزيد على قرن ونصف بصورة شفويّة فهو واهم, وإنما هي من تأليف الذين لم تكن تجرى لهم الطقوس, وبعضها تمّ تأليفه في نهايات القرن الماضي من قبل آخرين ووضعوا فيها أسماء لعوائل معروفة, وذلك بسبب الحقد على سلالة الشيوخ النقيّة. فمَن كان يُريد أن يشرب ماء الروهة الملوّث الذي نَضَحَ به الإناء المكسور وقدّمه المتصهين الحاقد على الدين المندائي, فاليحذر من أن يتسمم به.

ومن جانب آخر فنحن نؤكد بأن أجدادنا كانوا شيوخاً لا يُجاملون بالدين وتعاليمه, لابالرشوة ولابالتهديد وقد تمّ فناء دارتهم لأنهم على هذا النَهج. فهُم لم يكونوا ليقطعوا مَهراً أولاً لغير المرأة الباكر بعد شهادة فحصها, ولم يكونوا ليَصبغوا أبناء الزواجات المُختلطة التي كانت تتم بالسر في ذلك الزمان وأحياناً بالغصب, ولم يُكرّسوا سوى المستحقين دينيّاً. ولم يتهاونوا مع المجرمين من المندائيين بحكم رئاستهم الدينيّة والدنيويّة للطائفة. أمّا مَن يَطعن بهم فهو يطعن بالدين المندائي وهو مُنحدر من تلك السوابق.

سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ

شيوخ السُلالة الناصورائيّة المندويّة

أستذكار الآباء الروحيين للصابئة المندائيين.

أستذكار الآباء الروحيين للصابئة المندائيين.

في أطار الاستعدادات لعيد البرونايا الذي سوف يُصادف في ١٤ آذار, يقوم رجال الدين العارفين والمؤمنين الصادقين بعمل طعام الغفران واستذكار آبائهم الروحيين من الشيوخ الناصورائيين الذين أوصلوا لهم الكشطا منذ عهد آدم كبرا قدمايا.

مُرفق توثيق لشيوخ العائلة المندويّة, ونعمل لتوثيق شيوخ باقي العوائل الناصورائيّة.

سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ

المسيح الترميدا الناصورائي

المسيح الترميدا الناصورائي


أنّ متحف آيا صوفيا في أسطنبول, كان قد بُنيَ عام 537 ميلادية وبني كواحد من أكبر الكاتدرائيات في العالم ولمدة 916 سنة. وكانت هذه الكاتدرائية نفسها قد أقيمت على أنقاض كنيسة بيزنطية قديمة (الامبراطورية الرومانية الشرقية), وبعد أحتلال القسطنطينة من قبل الأتراك تحولت الكاتدرائية الى جامع لمدة 481 سنة ومن ثم تحولت الى متحف عام 1935.
والزائر لهذا المتحف سوف يواجه لوحة موزائيك كبيرة من القرن الثالث عشر لعيسى المسيح مع يهيا يهانا ومريم العذراء. حيث تُبيّن الصورة بأن النبي يحيى هو شيخ زاهد وكبير السن مقارنة مع النبي عيسى الذي هو شاب ويرتدي ملابس الملوك والترف, وهذه الرموز وغيرها كان يبرع بها دافنشي وغيره من فناني عصر النهضة بكون النبي الحقيقي هو يحيى وليس عيسى. وهذا يتفق مع التراث المندائي الذي يعترف فقط بنبوّة يحيى أو يهيا يهانا, وأنه كان قد ولد قبل الميلاد بأكثر من ثلاثة عقود, وليس كما يقول التراث المسيحي واليهودي بأنه ولد قبل المسيح بسنوات قليلة. وفي نفس المكان يوجد حوض التعميد الذي كان الناس يتعمدون فيه بالماء, ولكنهم يصطبغون باسم المسيح وليس باسم الحيّ العظيم!


تقول الليدي دراور في كتابها الصابئة المندائيون (1), بأن بحوثها في المراجع المندائية تُبيّن عنهم بأن عيسى المسيح هو ناصورائي قد أنشق عن المندائية وقام بتغيير الطقوس والتعاليم التي تَعلَمها لتتناسب مع توجهات الناس في عصره.
إن عملية تحريف وتحوير التعاليم والطقوس الدينية المسيحية لم تكن عشوائية قط, وهي تتماشى مع عمليات تزوير وتحريف التأريخ والتي تقودها المنظمات الصهيونيّة عبر الأزمان لربط كافة الأديان بها والسيطرة عليها.

ليس التراث المسيحي وحده من قام اليهود بتحريفه وربطه برواياتهم المؤلفة والمسروقة من الأدب السومري والذي أسموه كتاب العهد القديم (2), بل وحتى الآثار والتعاليم المندائية هم ينسبونها لهم. ومن الوسائل التي أتبعوها في القرن العشرين هي الادعاء بمخطوطات البحر الميت التي دسّوا فيها فلسفات كثيرة متنوعة من بلاد الرافدين وأديانه وتَبين لاحقاً بأنها كانت مزورة (3), وذلك لكي ينسبوا ذلك التاريخ وفلسفاته الدينيّة لهم ويصبحون مركزاً للأديان القديمة.

أن المسيح هو ناصورائي كان قد تَتَلمَذَ وأصطَبَغَ على يَد يهيا يهانا, ولكنهُ انشق عن المندائية وقام بتغيير التعاليم وذلك بالسماح لتلاميذه بأن يَصطَبِغوا بالماء غَير الجاري (مصدر1) فتقول الباحثة المُستشرقة دراور عنه “عيسى بالنسبة للاهوتيين الصابئين “ناصورائي” أيضاً, إلا أنه خرج على الدين وقاد الناس إلى دين آخر وباح بالعقائد الباطنية وجعل الدين أكثر يسراً .. باتخاذها الماء غير الجاري للتعميد, وبعزوبة الرهبان والراهبات”.

هنالك الكثير من التحريف في الروايات عن السيد المسيح وعن تَعاليمه, وفي معظمها كانت قد جَرَت لغرض إلحاق المسيحية باليهودية أو لتكون مُتفقة مع الوَثَنيّة الرومانية ذات السُلطة في ذلك الوقت, وقد استمرت هذه الحالة حتى العصور الحديثة (مصدر4). لكون الديانات التبشيرية وسيلة للسيطرة على المُجتمع, وتوفير الأسباب السياسية للسيطرة الاستعمارية على الأقوام الأخرى, وتجييش الجيوش بكُلفة قليلة ولأن الجُنود هُم ذاهبون للحرب المُقدّسة وفي سبيل الرَب, ولم تكن الكنيسة المسيحية ذات نزعة إنسانية كما هي اليوم وإنما كانت تَدعَم الرق والعبودية وتَدعم سُلطة الإقطاع والملوك والحُكام, مُنذ الميلاد ولغاية القرن التاسع عَشر, عندما قويت الحركات الإصلاحية في المجتمع الأوروبي, ولكنها كانت ولا تزال فعّالة في السيطرة على المُجتمع وتجييش الناس وقت الحرب مُنذُ الحروب الصليبية ولغاية الآن, ونَذكر جورج بوش عند غزو العراق فقال بأنها حربٌ صليبية, وهو السبب الحقيقي لتلك الحرب, والذي كان محور نقاشاته مع حُلفائه المسيحيين لكي يُشاركوا بها حيث يقول الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في مذكراته بأنه صُعق عندما قال له بوش يجب أن نحارب العراق لأن آجوج وماجوج سوف يظهرون من بابل ويدمرون إسرائيل والغرب المسيحي (مصدر5), وعَبئوا العالم الغربي بهذا الموضوع.

وفيما يلي بعض النقاط الرئيسية والتي تُبين أنتساب المسيح للمعرفة المندائية الناصورائية:

1- لقد كان المسيح يُرَدِد ويُعرَفُ عَنه بأنهُ الناصورائي (الناصري بتحوير اللُغة), ولكي يستطيع اليَهود أن ينسبوا المَسيح لدينهم كان لزاماً عليهم أن يجدوا تفسيراً لهذا الموضوع, ولهذا فقد بُنيَت مدينة صغيرة أو قرية في القرن الثالث الميلادي أي بعد وفاة المسيح بأكثر من مئتي عام وأسموها الناصرة (مصدر6) ولكي يُصبح بأن المسيح كان يقول هذا لينسب نفسه إلى تلك المنطقة, ولكن لماذا يسعى شخص بمنزلة المسيح الروحانية لكي يترك انتسابه الروحي للخالق ولمعرفة العلوم اللاهوتية السريّة ويُشدد فقط على انتسابه إلى قرية صغيرة غير معروفة, إن كان حقاً قد وُلِدَ فيها؟ علماً بأن مدينة الناصرة تأريخياً وجغرافياً لم يرد لها أي ذكر في أسفار الكتاب المقدّس العهد القديم, ولا في الوثائق المصرية أو الآشورية أو الحثيّة أو الآرامية أو الكنعانية أو الفينيقية, ولم تُذكر في تواريخ يوسيفوس المؤرخ اليهودي الذي كان قد عدّدَ جميع مدن فلسطين والجليل وبلداتها وقراها, بينما أثبتت الحفريات بأن أول ظهور لهذه المدينة الصغيرة كان في القرن الثالث الميلادي.
(وفى النسخة الكاثوليكية الجديدة – للآباء اليسوعيين – للكتاب المقدس، العهد الجديد، طبعة 1989، تقول في الصفحة 40، حاشية رقم 14، في شرح عبارة “أنه (أي المسيح) يدعى ناصريّاً” (متى 2: 23)، تقول بالحرف الواحد
“ناصرياً: يصعب علينا أن نعرف بدقة ما هو النصّ الذي يستند اليه متى. فاللفظ المستعمل لا يدلّ على أحد سكّان الناصرة! ولا على أحد شيعة الناصريّين).

وطبعاً المسيح الذي تتلمذ على يدي الناصورائي يهيا يهانا كان يُردد هذه العبارة ليُشدد على كونه قد أخذ المعرفة والتعاليم الناصورائية السرّية, وهي التي تُتيح له التواصُل مع الوَحي الإلهي.
وبقي قسم من أتباع المسيح يؤمنون بعقيدة المسيح الأولى وهي التوحيد وليسَ التَثليث والذي كانَ قَد أُقرَّ في القرن الرابع الميلادي تحت سَطوة الإمبراطور الروماني الوثني قسطنطين, وكان المسيحيون الموحدون يُسمَونَ بالناصريون أو (الآريوسية) أو (الأريانية) نسبة إلى آريوس أو (السوسنيانية) نسبة إلى سوسنيان, ولكنهم وُصِفوا من قبل الكنيسة الملكية الرومانية بالهراطقة ولاقوا الأمرّين نتيجة لذلك, وبقي أتباع هذه العقيدة المسيحية التوحيدية موجودين على مر العصور في أوروبا, بشكل علني أحياناً أو مستتر أحياناً أخرى خوفاً من أصحاب عقيدة التثليث وهم الكاثوليك والبروتستانت والآرثذوكس.

2- هُنالك سؤال وهو لماذا سافر المَسيح واصطبغ على يَدي يهيا يهانا, وشَهَدَ هو بذلك وشَهِدَ عليهِ الجميع, فلو لم يكن يَعترف بهذا الطقس وبأهميته ليكون ناصورائياً لم يكن ليفعله! فلن تجد أحد المنتمين لديانة معينة وهو يؤدي طقس ديني مُهم لديانة أخرى إلا إذا كان يتبعها حقاً, أو يريد أن يتبعها فهو يسعى خلف رجال الدين الذين يقدمون تلك الطقوس ويَتَتلمذ على يَديهم, وذلك بأن الصباغة (يسميها المسيحيون بالتعميد) هي أهم طقس يجريه المندائيون لأبنائهم بصورة حصرية, وهو ليس بالغطس في الماء فقط وإنما لكي يتم وَسمَهُم باسم ملك النور السامي الواحد الأحد الحيُّ العظيم ويشهدون بالتوحيد له, وبعد ذلك يقرأون عليهم التراتيل والصلوات المندائية, ومَن لا يصطبغ لا يكون مندائياً حتى لو وُلِدَ من أبوين مندائييَن. وطبعاً فأن الطقوس المندائية هي الوحيدة التي تعتمد الصباغة في الماء الجاري من بين باقي الأديان, وهذا لوحده ينفي صفة اليهودية عن المسيح, ولو كان يهودياً وأختلف معهم بالتعاليم لم يكونوا ليقتلوه بعد تعميده على يدي يهانا بسنوات قليلة, ولكنه حقد اليهود على المندائية. وبقي أتباع المسيح على طقس التعميد بالماء بعد وفاته (الماء غير الجاري).
ونجد في الكتب المندائية بأن يهيا يهانا كان قد رَفَضَ أن يَصبُغ المَسيح في البَدء, وحتى أِختَبَر حِكمته ومَعرفته بالتعاليم المندائية اللاهوتية فسأله بعض الأسئلة الفقهية (مصدر7), ولكن لو كان المسيح مندائياً فقط ويرغب بالصباغة فلم يكن يهانا ليختبر معلوماته وحِكمَته وذلك بأن جميع المندائيين لهم الحق بأخذ الصباغة من رَجُل الدين المندائي, ولكن هكذا اختبار وإعلان عام واحتفال يخضع له فقط الشواليا (الطالب لدرجة كهنوتية) وهو الأمر المُتَّبع في تَكريس رِجال الدين المندائيين ولغاية الآن.
(أما في الإنجيل فتكون الرواية المكتوبة ( 11 ) كتب متى في [ 3 : 13 ] ما نصه : (حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن، إلى يوحنا ليعتمد منه، و لكن يوحنا منعه قائلاً: أنا محتاج أن أعتمد منك و أنت تأتي إلي؟ فأجاب يسوع وقال له اسمح الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل برٍّ، حينئذ سمح له. فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء، و إذا السماوات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلا مثل حمامة و آتيا عليه و صوت من السماوات قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت)).

3- (3: 2 توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات وهي كلمات يوحنا المعمدان وكررها المسيح (متى 4: 17)) وطبعاً كثير من المبادئ التي قال عنها المسيح, موجودة أصولها وشروحاتها الأساسية في الكُتب المندائية (مصدر8). وليس فقط المبادئ المندائية التي كان يقول بها المسيح قد أُخِذَت وإنما حتى الفلسفة المُباشِرة, مثل عَلَمْ يهيا يهانا وهو الدرابشا أو درفش الضياء (مصدر9) والذي يستنير به الأثريون والملائكة حسب الفلسفة المندائية, والذي كان المسيح قد أخذه منه دلالة على ناصورائيته فلا يجوز لأي رجل دين مندائي أن لايكون لديه درافشا ولاتجوز أي صباغة بالنهر من دون وجود الدرافشا, ولكن الذين حرفوا المسيحية حولوه إلى علم يرمز للموت, بعد أن نزعوا الأجزاء الرئيسية منه تدريجياً وهي (أغصان الآس السبعة , وغطاء الحرير وهي حُلّة الضوء (الأصطلا), وحلقة الذهب وخيوط الحرير الأربعة والتي ترمز للتاج, وتركوا هيكل الدرافشا فارغاً وهو عمودين متقاطعين وقالوا بأنه رمز لموت المسيح! ولو كان المسيح قد مات بالسيف أو الرُمح فهل كانوا ليقدسوا السيف والرمح كما يفعلون الآن للصليب؟ ولكنه علم المسيح وليس رمز موته! وكذلك تعظيم يوم الأحد الذي توجد حوله الكثير من الفلسفة المندائية والصلاة الخاصة بغفران الذنوب مع ملاك الأحد, والذي كان المَسيح يُعظّمه أيضاً ولكنهم لم يعرفوا لماذا كان الأحد مُقدّس بالنسبة للمَسيح, فكلٌ فسره على هواه, ولكونه على النقيض من اليهودية والتي تُقدّس يوم السبت ليستريح فيه يهوه, بَعد أن خَلقَ العالم حسب روايتهم للخليقة, والتي هي أصلاً مسروقة من أسطورة الخلق السومرية وتفرعاتها وصولاً لأسطورة الخلق البابلية الإينوما إيليش (مصدر10).

4- إن المُعجزات التي نُسِبَت للسيد المسيح (مصدر11) هي بعض الحالات التي تتعلق بشفاء المرضى, إحياء الموتى, تبصير العميان, السير على الماء, طرد الشياطين, صيد السَمَك الكثير, إشباع خمسة آلاف شخص بخمسة أرغفة وسمكتين. ولو بحثنا في الكتب المندائية عن مثل هذه المُعجزات, فسوف نجدها قد تمثلت في كثير من المختارين الصالحين ومنهم من كان بمرتبة الملائكة, ولكنها تتحدث عن إحياء (أرواح) الناس الذين كانت أرواحهم قد ماتت لأنها لا تعرف الإيمان بالخالق الواحد الأحد العَظيم, أو أن تلك الأرواح كانت قد مرِضَت لأنها لم تعرف الطريق القَويم للإيمان فسقطت في أيدي الشياطين أو إنها كانت عمياء ولا تُبصر نور الحي العظيم, أو إنها خرساء لا تُسبّح للحي العظيم أو هي صمّاء لا تَسمع تعاليم الحي العظيم, وكان الذين كتبوا الأناجيل قد أشاروا لهذه النقاط ولكن الذين نقحوها بعد المسيح بقرن من الزمان, وبعد أن كان اليهود قد قتلوا جميع المندائيين الموجودين هناك, وهَرَب البعض منهم إلى حرّان ومنها إلى مملكة ميسان المندائية, وتحت ضغط الوثنية الرومانية التي كانت مُسيطرة وعنيفة لم تكُن فلسفتها تَعرف تفسير لهذه الأقاويل والروايات التي كانت تُذكَر عن المسيح, ولهذا فهم لم يأخذوها بمعناها المجازي وكما هو مُتّبع في الفلسفة المندائية الباطنية, وإنما حولوها إلى مُعجزات دنيوية ولكي تتماشى مع الديانة الوثنية القائمة على مُعجزات الآلهة في الحياة الدُنيا, وحتى تزاوجها مع البشر!!

فيما يلي نستعرض بعض الفلسفة الكامنة في الكتب المندائية المُقدّسة, خلف ذكر تلك المُعجزات عن السيد المسيح والتي لم تُفسرها الأناجيل وإنما البسوها حكايات أسطوريّة:

4.1 فيما يخص شفاء المرضى فنجد في كتاب تعاليم يحيى بن زكريا (دراشا اد يهيا) نجد نَص (مصدر12) يقول فيها يهيا يهانا
* ” تنقّلتُ بين الأجيال والعوالم مراراً, حتى وصلتُ إلى باب أوراشلام, وضعت كرسياً وجلستُ عليه, ثم تكلمتُ بأسرار الحِكمَة. أوراشلام موصودة بابها بالقضبان والمزاليج, من كلامي وتوضيحاتي فُتِحَ الباب المُقفل ورَكَلتُ القُضبان والمزاليج. أُنيرت أوراشلام ببهائي وتعطرت كُل البساتين, أولئك الذين رائحتهم نَتِنَة تعطروا بأريج بساتيني. العميان فتحوا عيونهم, والمجذومون شُفيوا, الخرسان والطرشان (الصُم والبُكم) فَتحتُ لأفواهِهِم الكَلام, المعوقين مَشَيتَهُم على أرجُلِهِم وعلى مَد البَصَر”
وطبعاً فإن يهيا يهانا كان يتماشى بهذه الفلسفة عن هداية الناس لطريق الحق, مع نصوص كثيرة من الكُتب المندائية وخاصة الكنزا ربا والتي تتحدث وتُركز على شفاء أرواح الناس المريضة أو الضالّة, وذلك بأن الدُنيا الفانية لا تأخُذ الأولوية لديهم.
وكان يهيا يهانا نفسه, يُحاكي فلسفة الملاك أنُش أُثرا والذي كان هو نفسه قد ذَهَبَ إلى أوراشلام ليهدي اليهود قبل زمن سُليمان بن داود (مصدر13) حيث يُذكَر في كتاب الكنزا ربا اليمين
* “يأتي أنُش أثرا ويذهب إلى أوراشلام, ويرتدي ملابس من الغيوم المائيّة, وتكون بمثابة الجَسَد, ولكنها ليست من نوع الملابس الإعتيادية. وهو لن يكون متحمساً أو غاضباً. وسيأتي بعصر بيلطوس ملك العالم. إن أنُش أثرا قد أتى للعالم بقوة ملك النور السامي, ليشفي المرضى ويُبصِر العميان ويُطهّر المجذومين ويُشفي العاهات ويُمشي المُعوقين ويُنطِق الصُم والبُكم ويُحيي الموتى” الكنزا ربا اليمين
إن الملاك أنُش أثرا هو أحد الملائكة الثلاث هيبل وشيتل وأنُش, وهم كانوا قد أُنزِلوا لعالم البَشر مُنذ وقت آدم ,وهُم يُزرِعَونَ في رَحِمِ أُمّهاتهم من دون نُطفة الأب (مصدر14)
* “بينما كان آدم بَتولاً ولم يَقترب من حواءَ زَوجته, صارَ لها صبيٌ صَغير, فتَعجّبت وقالت: كيف ولم يكُن قد زُرِعَ من بَذرة الرَجُل في الرَحَم؟ وعَلامات الحَمل لم تَبدو عَليها. كان صَوته قَوي ورَخيم وكَلامه قَويم وسُميَّ هيبل بن آدم الذي من حوّاء صار” الكنزا ربا اليمين
وكذلك كان الحال لبنات آدم وحواء فلم يكُنَّ يَتَزوَجن من الإخوة, وإنما يأتي لهُنَّ السِّرُ من المَلأ الأعلى
* “وكان السِّرُّ يأتيهنَّ من الملَأ الأعلى .. كلَّما تَجلَّى, حَملَتْ إحداهُنَّ حَملا .. فازدادَ العالمُ وَرَبا.” الكنزا ربا اليمين ص192

4.2 إنَّ جميع التعاليم المندائيّة هي في سبيل الحياة التي تتم بعد أن تُحاسب روح الإنسان, فإذا كانت أعمالها الصالحة أكثر من ذنوبها فإن هذه الروح سوف تتحد مع النشماثا (النَفس) النقيّة والتي أتت من عالم النور وكانت قرينة للروح في الجَسَد, وهذه هي الحياة الأزلية والتي تتركز الفلسفة والتعاليم المندائية عليها, وأمّا الذين تكون أرواحهم غير نقيّة ومُذنبة بمُحصلة أعمالها, فلا يتم الاتحاد لها مع النشمثة وعندها تموت تلك الروح وهو الموت بالمفهوم المندائي, وهؤلاء ذوي الأرواح الميتة هُم الذين يظلمون ويرتكبون المعاصي ويَكفُرون وهُم الذين تتم الإشارة لهُم بالموتى, ولكن في حالة أتاهُم رسول الحي وسَمِعوا نِدائه وتابوا وعملوا الصالحات بعدها وكَفّروا عن ذنوبهم فإن أرواحهُم سوفَ تحيا, وهذا ما تتم الإشارة إليه بأن رسول الحَي قد أحيا الموتى في النصوص (مصدر15).

4.3 فيما يخص صَيد السمك الكثير الذي رواه عن المسيح كتبة الإناجيل, فنجد مجموعة من النصوص في كتاب تعاليم يحيى بن زكريا, وهذه النصوص تتحدث عنه بكونه صياد ينتقي أسماكه ولا يأخذ إلا تلك المُتطلعة لعالم النور فهو صياد للأنفُس, وهُنالك أربعة نصوص عن الصيّاد هذا أحدها (مصدر16)

4.4 لقد كانت هُنالك نصوص في الأناجيل تتحدث عن المسيح بكونه الراعي الصالح ((أنا هو الراعي الصالح، الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف). يوحنا (10/11))
وكذلك فنجد مجموعة من النصوص المُشابهة في كتاب تعاليم يحيى بن زكريا حول كونه الراعي الصالح الذي يرعى الخراف ويُحافظ عليها, في سبيل أن تبقى مُتمَسِكة في إيمانِها, وهذا أحد النصوص منها (مصدر17)

4.5 إن عملية طرد الشياطين, لها الكثير من الأدعية والصلوات (البوث), وهي بمثابة العمل الرئيسي لرجال الدين المندائيين, وهُنا لا يتسع الموضوع للتعمق بهذه البوث بسبب كُبرها واتساعها.

4.6 (مت 14: 25، مر 6: 48، يو 6: 19 سير الرب يسوع على الماء)) فيما يخص السير على الماء فهي صفة للملائكة وهُم هيبل وشيتل وأنُش والذين هبطوا لينشروا أسم الحي العظيم وتعاليمه, وليُساعدوا المختارين الصالحين لكي يصعدوا لبلد النور ويقاوموا الأشرار وأتباع الشيطان, والذين كانوا قد سلطوا عليهم وعلى الجنس البشري الفناء بالسيف والوباء وبعد ذلك بالنار وبعد ذلك بالطوفان, ولكنَّ مندادهيي كان يحمي هؤلاء الملائكة الثلاثة فلم ينل منهم السيف ولا أحرقتهم النار ولم يغرقوا بالطوفان, لأن سيور صنادلهم لا تغرق بالماء (مصدر18) “الرجال الذين لم يؤخذوا بالسيف ولم يحترقوا بالنار ولم يغرقوا بالطوفان, وسيور صنادلهم التي بأرجلهم لا تغطس في الماء” كتاب الأدعية والصلوات.

4.7 هنالك معجزة أخرى وهي إشباع خمسة آلاف شخص بخمسة أرغفة من الخُبز وسمكتين (”الخبز الحي الذي نزل من السماء الذي مَن يأكله يحيا إلى الأبد“ (يو 6: 51)) وطبعاً هذا جزء رئيسي من الطقوس المندائية وهو تناول الخُبز المُقدّس والذي يُسمّى (البُهثة) مع الماء المُقدّس ويُسمى (المَمبوهة), حيث يَعجن رجُل الدين الطحين بيده من ماء جاري ويقول الأدعية عليه ومن ثم يشويه بالنار, ويخزن الماء بقنينته ومن ثُم يقتطع منه قطعاً صغيرة, ويُشرك الجميع معه سواء كانوا مئات أم آلاف من الأشخاص فكل واحد يحصل على قطعة صغيرة, والسمك هو الوحيد من بين اللحوم الذي تُعمل به الوجبة الطَقسية (اللوفاني) من قبل رجال الدين المندائيين لأنه يُعتبر من ثمار البحر بالنسبة للمندائيين, وأما مَن الذي شَبَعَ ومَن الذي لم يشبع فوحده الله يعلم بذلك؟

وحيث أنّ هذا البحث هو تعريفي ضمن هذا الكتاب ولكن في بحث تفصيلي من الممكن أن نُبين حتى التفاصيل الأخرى, والتي أُخذت من المندائية كفلسفة ونصوص وتعاليم.

سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ

المصادر
1. كتاب الصابئة المندائيون, دراور
2. مقالة: من سومر إلى التوراة.. الحضارة السومرية والبابلية كانت ملهمة للعبرانيين, سماح عادل
3. مقالة: جميع مخطوطات البحر الميت في متحف الكتاب المقدس مزيفة، By Brigit Katz
4. مقالة: تزييف الكتاب المقدس, أ. د. زينب عبد العزيز
5. مقالة: لن أصدقه حتى لو سمعته مجدداً , فهد عامر الأحمدي
6. مقالة: حول الناصرة وميلاد يسوع,
7. كتاب تعاليم يحيى بن زكريا, نَص تعميد السيد المسيح
8. كتاب تعاليم يحيى بن زكريا, نَص استيقظوا لقد وَضَح الدرب
9. صورة الدرفش (الدرابشا) المندائي
10. اثر الكتابات البابلية في المدونات التوراتية, لبيب ناصيف
11. مقالة: معجزات السيد يسوع المسيح,  دائرة المعارف الكتابية المسيحية
12. كتاب تعاليم يحيى بن زكريا, نَص شفاء المرضى
13. كتاب الكنزا ربا اليمين, أنُش أثرا
14. كتاب الكنزا ربا اليمين, ولادة هيبل بن آدم
15. كتاب الكنزا ربا اليمين, نَص رسول النور
16. كتاب تعاليم يحيى بن زكريا, الصيّاد الملاك
17. كتاب تعاليم يحيى بن زكريا, الراعي
18. كتاب الأدعية والصلوات, ترتيلة ريها اد بسم

رسالة مفتوحة

إلى النمّامين الذين طعنوا بالشيوخ الناصورائيين القُدامى.

رسالة مفتوحة

إلى النمّامين الذين طعنوا بالشيوخ الناصورائيين القُدامى.

لقد دأب المندائيون على توقير رجال الدين الناصورائيين المُتوفين ولم يقصّروا معهم بالذكر الطيب أو بالطقوس. ولكن وللأسف فهنالك بعض الانتهازيين من الذين يَبحثون عن لفت الأنظار ومنهم قلّة قليلة في السلك الديني, من الذين يسمحون لأنفسهم بأن يهينوا ذكرى الشيوخ الأقدمين بالنميمة وبتعمّد نشر الإشاعات والقصص الكاذبة التي تخلو من أي دليل وذلك لغرض الانتقام منهم, وبرغم أننا أبرزنا الحجج والدلائل القاطعة التي تَدحضها.

فبعضهم لديه عقدة الشعور بالنقص والغيرة, ولأنهم لا يصلون لكمال أولئك الأقدمين الذين توارثوا السلك الديني منذ آلاف السنين وحافظوا عليه وأوصلوه لنا كاملاً. بينما هنالك مَن يسعون للطعن بالدين المندائي عبر الطعن بالركيزة التي أوصلت المندائيّة لعصرنا هذا وهم رجال الدين القدامى, فيبدأون بتحريف وتزوير التاريخ لوضع تلك القصص الكاذبة التي تنتقص من ذكراهم. وهنالك آخرون لديهم أسباب مختلفة مثل محاولات الانتقام بسبب نزوليّة دينيّة أو حادثة أصابت أجدادهم في ذلك العصر, أو أنهم يسعون لجذب الاهتمام أو الكسب المادي والمعنوي بتسويق كتب رخيصة مبنيّة على تلك الأكاذيب كعنصر للتشويق.

* “الويل لهؤلاء الذينَ يَقولونَ ولا يعَملون بما يَقولون.

أو يقولون شيئاً ويعملون عكسه.

في الظاهر يَرفعون شعارات الهيمنوثا (الإيمان) ..

وفي داخلهم فاسدون كليّاً.” الكنزا ربا اليمين

ولكنها الخسّة والدناءة أن يسعوا للانتقام من سُمعة شيوخهم القدامى لهذه الأسباب. إنما هؤلاء القلّة هم من الباحثين عن المصالح الشخصيّة, وأحدهم يدعي الإيمان وفي داخله فاسد كلياً ويدعي الحفاظ على الشرشا وهو أول من يبيعها لوكيل المنظمات الخارجيّة, ويدّعي العلم وفي أول أمتحان يُكشفُ ما فيه من نقصان فيطردُ من المناظرة ويُهان!

والآن أنظروا حولكم فهل تَجدون كثيراً من هؤلاء الشيوخ الذين توارثوا السلك الديني وحافظوا عليه منذ آلاف السنين وصولاً لعصرنا هذا؟

ونحن نسأل هؤلاء النمامين الذين لم يكتبوا عن أجدادهم وأهلهم ولا بسطر واحد وإن كان بالسيرة الحَسَنة, فلماذا كنتم مهتمين بالكتابة وبتلفيق القصص عن أجدادنا الشيوخ بالذات, ولو بالطعن والكَذب ..

ونقول لكم الجواب لأن أجدادنا الشيوخ الناصورائيين الذين لهم كُشطا منذ الأزَل, هؤلاء كانوا نجوماً عالية في السماء لم تكونوا لتحلموا بأن تجلسوا عند أقدامهم في مناديهم ومضايفهم لتتعلموا من علمهم أو لكي يباركونكم ويباركوا أجدادكم بطقوسهم.

ولكنكم نسيتم شيئاً واحداً: وهو أن أحفاد وسلالات أولئك الشيوخ الناصورائيين هم أحياء رؤوسهم شامخة ويستنشقون الهواء. ولهذا ومن باب رد العَمَل الذي قُمتُم به فربما سوف نقوم بمثله لكم, وسوف نكتب سيرة أجدادكم وأهلكم ونقوم بتوثيق أبرز الحوادث فيها. ولكننا نكتب فقط بالحق فلا نطعن بنشماثا المتوفين كما فعلتم أنتم ولأن أخلاقنا من الكنزا ربا.

فمن كان منهم مؤمناً تقيّاً طيباً ذكرنا ذلك وطلبنا الغفران لنفسه وحتى أن نقوم بعمل اللوفاني له إن زودونا بملواشته, وتكون زدقا لنا لأنكم يا أبنائهم اللّاهون بالنميمة والكذب لم تَذكروهم.

ولا يأتي لنا أحد من أقربائكم ويَعتب على توثيق سيرة أهلكم وأجدادكم والأحداث التي حصلت لهم, ولأنهم لم يمنعوكم من التعدي ولم ينصحوكم بل أن البعض قد شجّعه أهله على التمادي في النميمة ونشر قصص الكَذب.

سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ

أيُّها المُختار الصالِح انتَ وأبناءك وسُلالاتك ومُحبيك سوفَ تَصعد لعالم النور.

أيُّها المُختار الصالِح انتَ وأبناءك وسُلالاتك ومُحبيك سوفَ تَصعد لعالم النور.

يرد ذكر المُختارون الصادقون أو الصالحون -بهيري زدقا كثيراً في الكتب المندائيّة, فهؤلاء هُم الذين كتبوا التعاليم الدينيّة التي أوحيت إليهم من الحيّ العظيم عبر العصور, وكان منهم آدم وشيث ونوح وسام ودنانوخت ويهيا يهانا, وكثير غير هؤلاء من الذين لا يذكرون أسمهم لكي يبقى التوحيد للخالق وحده فلا يتم الشرك به مع الذين يوحي لهم بكلماته وأفكاره وكذلك لكي لا يتمّ قتلهم أو أسرهم. ولأنهم بمقام الأنبياء لدى الأديان الأخرى.

ولكن لو نسأل مَن هُم المختارون الصالحون وأين كانوا؟ فهل كانوا أناس عاديين مُنشغلين بلقمة عيشهم أو بأشغالهم وبالدنيا الفانيّة؟ أم أنهم كانوا ضمن مُجتمع رجال الدين الأولين الذين كانوا يَعِظون الناس ويَذهبون ليتعبدوا ليل نهار, وتحددها كتبنا المندائيّة بسبعة ساعات في النهار بالإضافة إلى الصلوات والتسابيح في اللّيل.

وكان هؤلاء الناصورائيون يُكرّسون أبنائهم وأحفادهم الصالحين في السلك الديني, ولأن الكشطا تُعطى لهم من آبائهم الصالحين فهم مُرتبطون باللوفا منذ صِغرهم ولمن لم يقم بنفسه بقطعها إن سار في طريق خاطئ. فنجد بأن جميع النصوص الدينيّة والتراتيل التي كتبوها تتضمن أدعية في نهاياتها بطلب الغفران للأب والأم والزوجة والأبناء والسلالات والتلاميذ والمحبين وهذا أن عوائلهم هي الأقرب لهم.

“الذي بقي نقيّا سالماً فسيكون في قمّة عالم النور..

لأن قوة الآباء (الأسلاف) تحرسه وكلمة آبائه تقيم عنده.

وعندما يصعد للمُطهرات لايُسائل ولايسري عليه حُكم الشبياهي.” دراشا اد ملكي

وحيث أن خلود النشمثة هو في جوهر الدين المندائي, فيكون هؤلاء المُختارون الصالحون الذين تخلّدت نشماثاتهم هُم أقرب للمُنحدرين من نسلهم إن صلحت أعمالهم, وتقول دراور في كتابها الصابئة المندائيون النسخة الإنكليزية:

“الجوهر الثالث للدين المندائي هو الإيمان بخلود الروح, وبعلاقتها الوطيدة بأرواح الأسلاف المباشرين والملائكيين. فتؤكل الوجبة الطقسيّة بالوكالة عن المتوفين, وتقوم أنفس المتوفين بإعطاء القوّة والمساعدة وتعطي الراحة لأنفس الأحياء الذين ذكروهم” (The Mandaeans of Iraq and Iraq, E.S. Drower xxi).

وهذا هو أحد أسباب بقاء السلك الديني وراثي للسلالات الناصورائية منذ القِدم, وذلك للإيمان بانحدارهم من نسل المختارين الصالحين. وأن المندائيين هم امتداد لعبادات بلاد الرافدين الذين كان السلك الديني الكهنوتي لديهم مَلكي وراثي أيضاً كما هو لدى كهنة بابل وباقي المدن الرافدينيّة الأخرى الأقدم منها مثل أور وإريدو, حيث كانت بها عبادات كثيرة تتّفق وتختلف حسب تلك المدارس, وهذا الموضوع ليس ضمن حدود هذه المقالة المُختصرة.

فيكون مُجتمع الكَهَنة القُدامى والسُلالات الكهنوتيّة الناصورائية التي استمرّت منهم لآلاف السنين, هُم الذين خَرَجَ منهم المختارون الصالحون وليس من غيرهم. وأنّ المندائيين الذين يَخرجون من أجسادهم فهؤلاء الآباء الأولين سوف يأخذون بأيديهم ويساعدونهم, وكذلك غفران الخطايا يكون أقرب بمساعدتهم ولأنهم الصديقين أصحاب الكشطا.

“- أيُها الطيّب لقد أخطأتُ وأوقعتُ غَيري في الخَطيئة،

ولكن أغفر لي لأن أَبي كان قد وَزّع الطعام،

وأُمّي أعطت الصَدَقة.

*

أمّا أبوكِ فقد كان يوزّعُ الطعام عن نفسهِ.

وأمّا أمُّكِ فكانت تَتصدّق عن نَسمتها.

ولكن غافر الخطايا والذنوب، يَغفرُ للنشماثا بقوّة الصدّيقين وبكشطا المؤمنين” الكنزا ربا اليسار

أنَ موضوع تبجيل المندائيين لآبائهم الشيوخ الناصورائيين القُدامى, هو معروف لمُعظم رجال الدين الصادقين والمُتبحرين حيث توجد العديد من النصوص التي تَذكُر الآباء وتَغفر لهم الخطايا, وهم هنا ليسوا الآباء البيولوجيين وإنما هُم المُختارون الصالحون الذين كانوا ضمن مجتمع رجال الدين السابقين, ولهذا فيواظب جميع المؤمنين الصادقين الأحياء على طقوس الذكر الطيب للآباء القدامى, كما في البراخة واللوفاني والدخرانا والمسقثا والزدقا بريخا وفي كل برونايا وفي طقوس أخرى. حيث يقولون لهم أنتم أدعو لنا من هناك ونحن ندعو لكم من هنا, وبمعنى كما تذكروننا وتطلبون لنا من الحيّ العظيم فنحن نذكركم ونطلب لكم منه.

وأن هذه الحقيقة عن الدين المندائي هي معروفة للباحثين في المندائيّة, فيصفونها بأنها عبادة الأجداد, وذلك من شدّة توقير المندائيين لأجدادهم, الذين منهم وصلت الكشطا لنا عبر سلسلة طويلة من الأجداد وصولاً لهذا العصر.

“هذه مُطهرات يوم الأحد, ويُسائلُ بها الكنزبري ..

الذين لا يقومون بغُفران الخطايا للآباء.

الذين لايهبون الخُبز للفُقراء والمُحتاجين.

في هذه المُطهرات سوف يُحاسب هؤلاء الكنزبري..” ديوان أباثر

وكذلك فتوجد العديد من النصوص التي تُحذّر من عدم توقير الآباء الأولين, وحتى لمن كان ضمن أعلى الدرجات الدينيّة في ذلك الزمان عندما كانوا يحفظون الكتب الدينيّة والتعاليم جميعها, فهو إن تجاوز على الآباء أو لم يقم بتوقيرهم فسوف يقطعونه.

فمن كان لديه التزام ديني فلا يقطع الذكر الطيب عن الشيوخ الناصورائيين القدامى الذين حفظوا الدين وأوصلوا لنا التعاليم المندائيّة كاملة. ومن كان لديه دافع أخلاقي فهو أيضاً لايتجاوز عليهم, فليس من الأخلاق أن تلوك بسيرة الأقدمين المتوفين بالنميمة. وأمّا من لم يكن له التزام ديني ولاأخلاقي فيتطاول على الآباء القدامى أو ينشر عنهم القصص الكاذبة وخاصّة إن كان رجل دين! فابتعدوا عنه ما استطعتم, فهو مقطوعٌ من اللوفا فارغٌ من الكشطا لاتُقبل طقوسه ولاتُنير عمامته مهما بلغ طولُ لحيته!

“انّ الذي يُقدِمُ على أن يَفقأَ عينيهِ بنفسهِ, لن يجدَ من يكون له شافيا” دراشا اد ملكي

وفي الختام نقول لشيوخنا المؤمنين الحقيقيين حافظي الشرشا الثابتين, الذين لايأتون النميمة ولايكسرون الگشطا مع آبائهم الشيوخ الأولين ولهم التقدير والاحترام, فنقول لهم اثبتوا في مراگنكم فالناس تعرفكم من بياضكم النقي الذي يُميّزكم ويُميّز أكسيتكُم.

سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ

شيوخ السُلالة الناصورائيّة المندويّة

شيوخ السُلالة الناصورائيّة المندويّة

“أيهُّا المندائيّ:
إذا كنتَ قويّاً فكُنْ باهرَ الصِّدق, كالملِكِ الذي يضَعُ التاجَ على رأسِهِ ويَشهَرُ سيفَهُ في وَجهِ الشَّرّ” الكنزا ربا اليمين

لم يكن بودنا أن ننكأ جرحاً عميقاً في ذاكرتنا حول دسائس ومؤامرات كبيرة من داخل وخارج الطائفة, حصلت قبل حوالي ١٣٠ عام وتسببت بإضعاف دارة الناصورائيون الأوائل ونهايتها والتي انعكست تبعاتها على الطائفة لغاية الآن. ولكن أحد الأشخاص من أحفاد تلك العائلة المشتبه بها في جريمة تدمير سلالة شيوخ العائلة المندويّة, كان ينشر قصته التشهيرية حول أجدادنا مستنداً على روايتهم الكاذبة والتي ليس فيها دليل واحد. وبعد ذلك تمَّ أستغّلال هذا الموضوع لغرض الكسب المادي والاجتماعي من قبل أحد الكتاب الناقمين على الدين المندائي. فأخذ تلك الرواية وبدأ بنشر سلسلة من الكتب المُحرّفة للانتقاض من رجال الدين المندائيين بصورة عامّة, ومن دون إذننا ومن دون أن يسألنا عن جانبنا من القصة, فأجدادنا كانوا أكاليلَ اللؤلؤِ وأَحزِمَةُ الذَهَبْ.

وفي الوقت الذي نحتفظ فيه بحقنا القانوني بالرد المُناسب على جميع هؤلاء, فإننا نُحمِلَهُم مسؤولية وتبعات فتح النقاش في هذا الموضوع وما ينتُج عنه وسوف تكون لنا إجراءات أخرى مَعَهُم لاحقاً, ونرفق لكم ملابسات الرواية الحقيقية لمقتل جدنا الشيخ الجَليل عِيدانْ الشيخ داموك الشيخ صَكر وأسر عمّه ووالد زوجته وأبيه الديني الذي كرّسه الشيخ صَحَنْ الشيخ صَكر، وهي مُعززة بالوثائق والتي كانت محفوظة بسريَّة لدى جَدنا الراحل الشيخ دَخيل الشيخ عِيدان.

تَمتد سُلالة الناصورائيون الأوائل إلى عهود ترتبط ببدايات النشوء المندائي. وكما كان ولا يزال الدخول للطائفة مُغلقاً, فكذلك كان السلك الكَهنوتي المندائي وراثي ومُغلق للسلالات الناصورائية ولغاية منتصف القرن العشرين عندما سيطرت الحركة السياسيّة اليساريّة على الطائفة المندائيّة وعلى مُجتمع رجال الدين وغيروا ثوابته.

ونبدأ مع الشقيقين الجليلين الكنزبرا داموكْ والكنزبرا صحن اللذان كانا قد قاوما التَبشير المسيحي في ذلك الحين, ورفضا العروض التي كانت تأتي من بريطانيا عبر السفير البريطاني هنري لايارد ومن خلفوه في منصبه ببناء مندي للمندائيين على شرط وضع الصليب عليه بدل الدرفش المندائي. فقد كانت تلك الحُقبة التي عاشا بها لا تقلُّ خطراً على الطائفة من الحقبة الحالية, وكانت مرحلتهم مشوبة بأخطار البعثات التبشيرية الإنكليزية والفرنسية التي كانت تسعى لتنصير المندائيين بأي ثمن، مُستغلّة الفقر والتهميش والاضطهاد العثماني لأهل بلاد الرافدين. ولكن وعي القيادة المندائية ووحدة رجال الدين والتفاف المندائيين الشُرفاء حول دينهم وتمسكهم به قد أفشلت تلك البعثات, التي غالباً ما كانت تجد ضالتها مع بعض ضعاف النفوس الذين ينشقون ليصبحوا أعداء للدين المندائي.

لقد تَزَعّمَ الشيخ داموكْ رئاسة الطائفة، خلفاً لأبيه الكنزبرا صَكر الرئيس الأسبق الذي توفي حوالي عام ١٨٤٥ وبعد ٥ سنوات ذهبَ إلى عالم الأنوار. ومن ثُمَّ تزعّم أخيه الشيخ صَحَنْ ١٨٠٥-١٨٩٦ رئاسة الطائفة ولغاية وفاته, وكانَ هو وأولاده الشيوخ جادر ونادر وثامر وبِكرَه الذي لم يكن شيخاً جابر في مدينة سوق الشيوخ بينما كان الشيوخ أبناء أخيه في مدينة العِمارة. وكانت لهُم مكانة مُتميزة في المُحيط الذي عاشوا به. وقد عُرِفَ عن الشيخ صَحَنْ قوة شخصيته وقيادته وكان له مضيف كبير يحضره المندائيون والمسلمون لما كان يقوم به من مساعدة كبيرة لكل من المسلمين والمندائيين، وكانت علاقته طيبة مع مُعظم شيوخ العشائر في سوق الشيوخ بسبب مواقفه الطيبة معهم ومِنهُم شيخ مشايخ المنتفج وهو حَسن خيون الأسدي.

لقد حَكَمَ الشيخ صَحَنْ مُدَة طويلة كرئيس للطائفة ولغاية نهاية القرن التاسع عشر, وكان يَعتمد على أولاده في سوق الشيوخ وأولاد أخيه الراحل في العِمارة وعلى شيوخ آخرين في مناطق أخرى لغرض الطقوس الدينية, وكانَ هوَ الذي كَرّسَ أولاد شقيقه الراحل الشيخ داموك وهما كُل من الشيخ عيدان والشيخ جودة. حيثُ كان رئيس الطائفة ورئيس الدارة ولا توجد مجموعة أخرى تستطيع أن تُكرّسَ الشيوخ غيرها أو رُغماً عنها, وهُم كانوا يتوارثون السلك الكهنوتي ولأنه وراثي وكذلك بسبب المعرفة الناصورائية والإيمان الذي يُنشِئون عليه أبنائهُم, وكانَ الشيخ صَحَنْ قد زوَّجَ ابنتيه إلى أبناء أخيه الشيخ جودة والشيخ عيدانْ الذي كان قد رُزِقَ بولد وهو الشيخ دَخيل, ولكون الطقوس الدينية تحتاج إلى مُشاركة أكبر عدد مُمكن من الشيوخ فهُم كانوا يتزاورون بكُثرة بين العِمارة وسوق الشيوخ وقلعة صالح وغيرها من المدن التي يكثر بها المندائيون.

إن الذي يَكتُبُ عن أهله غالباً تكون حياديته التي يعلم بها الحيُّ العَظيم موضع تشكيك، ولهذا فسوف لن نقول شيئاً من قال وقيل ولكن سوف نستشهد بما كتبه الشيخ مُران الشيخ زهرون الصابوري، عن حقيقة الشيخ صَحَنْ في تذييل كتاب “كنزا ربا” الذي نسخه عام 1881 وهو محفوظ لدى أحفاد الشيخ وسلالته الممتدة إلى اليوم.

ويقول في أزهاره

(1)
“إن كان تنشدون عن شيخ صحن ابن شيخ صقر ابن شيخ بهرام المندوي، صاحب مضيف وان شاء الله ينطيه ويعلي مكانه، ماهو مخلي عايز لاعلى صبي ولا على مسلم، ويا اخوان هل تجون من عقبنه تفسير مندايي ماتعرفون كتبنالكم عربي”

(٢)

“وياخوان هل تجون من بعدنا عن شيخ صحن ابن شيخ صقر ابن شيخ بهرام بلعلم والوساعيه مامن احسن منه ولايجي غيره واحنا يادبعادايداتنا حساده كيف الله راظي عليه وناطيه من تعب ايدا عند دكاكين طين وعندا سفن ويبذل من تعبهن وهل مومنيه ماجاعد يحوش منها شي وكل مهر جرشين والباجي لربعه واناس ماهم مخلينا يوخرون الزين ويجدمون الردية وهذا الدور هيك صار”

(٣)

“ومن عقب السنتين دارت لبيت شيخ بهرام المندوي شيخ صقر وولاده وضلت بيديهم خمسين سنه الله يرضا عليهم شيخ داموك وشيخ صحن اهل مضيف وزادن نفيس من كل خاطرهم وجهن يضحك يحبون ويرحبو صبه واسلام والناس حسدتهم والعين لعبت بيهم وياهم هبت مومنين وياكلون بهل نعمه وتخابثو معهم بعض يردون المومنيه لنفسهم واهو صاحب زين ماطلعت منه ببديه والله ناطيه وراضي عليه وسع الخاطر والله لا يعثرا والحكي كثير ماينكتب ودورنا حنا ماهو زين وكلمن يريدها لنفسه وهو ماعندا بديه ويبذل عليهم”

إنَّ هذه القُصّة هي لتبيان مُلابسات جريمة قَتْل الشيخ عيدان وأسر الشيخ صَحَنْ, ونستشهد بها حَسَب الوثائق السريّة المُدرَجَة “برقيات” والتي كانت بِعُهدة جدنا رئيس الطائفة الراحل الشيخ دَخيل وهي مكتوبة بلُغة ذلك الزمان. وهي اللبيب الذي يفهم بالإشارة “الحسجة” والتي تروي الرواية الحقيقية للأحداث, وجميع هذه الوثائق صحيحة ومحفوظة في مكان آمِن وجاهزة للفحص المختبري عند الحاجة:

لقد كانَ هُنالكَ خِلاف مع إحدى العوائل المندائية عِندما رفض الشيخ صَحَن إجراء الطقوس الدينية لَهُم ومَنَعَ شيوخ دارته أيضاً. وكانت تلك العائلة المُتنفذة لها عِلاقات مع الوالي العُثماني الذي يَحكُم تلك المناطق والذي يعتاش على الرشوة. وهو ما تمَّ توثيقه عن الحُكُم في العهد العُثماني، وهؤلاء الأتراك لم يكونوا يكترثون للاضطهاد الذي كان يتعرّض له الناس قدر ما يكترثون لمنفعتهُم الشخصية.

وحَسَب تعاليم ديننا المندائي فإنَ رجُل الدين لا يستطيع أن يَمنع الطقوس عن مجموعة من المندائيين إلا في حالة كونهم خارجون عن الدين المندائي أو في حالة نيّتهُم بالحاق الأذى بالدين المندائي. ولكن هذه العائلة المُتنفذة لم تكُن تتقبل فكرة مَنع الطقوس عنهم وذلك لأنهُم سوف يُصبحون خارجين على الدين المندائي علناً, ومِن ثُمَ بدأوا بمحاولة استقدام الشيخ عيدان من العِمارة لكي يجري لهم الطقوس وأرسلوا العديد من البرقيات يتوسلون إليه أن يحضُر اليهم لغرض إجراء الطقوس, ونحنُ وجدنا ثلاث منها في تأريخ ٣٠ آب ١٨٨٩ (البرقيّات ١,٢,٣) ولكن الشيخ عيدان رفَضَ أن يأتي إليهم وأخبرهُم بوجود عمّه هُناك, وهو الذي يستطيع إجراء الطقوس لهُم, فأجابوه بأنهُم لا يُريدونَ عَمّه ويُريدونه أن يَحضُر هوَ (البرقيّة رقم ٤) في ١٧ أيلول أي بعد حوالي أسبوعين من مُخاطبتهُم الأولى.

البرقية رقم ١
4 محرم 1307 إلى 30آب1889 الجمعة
4محرم1307_30آب1889
عماره عيدان صبي
تعهد شهر قبول بحضنا ابختنا ابدينا ابرزقنا تجي سريع
فهد

البرقية رقم ٢
4 محرم 1307 إلى 30آب1889 الجمعة
4محرم1307_2_30آب1889
عماره عيدان صبي
شهر قبول بحضنا ابختنا ابدينا باولادنا ابرزقنا تجي —– بالشنطه؟ عمامه عند سهر خطوط —
سواد

البرقية رقم ٣
4 محرم 1307 إلى 30 آب 1889 الجمعة
4محرم1307_30آب1889
عماره عيدان صبي
شهر قبول بحضنا ابختنا ابدينا ابرزقنا بواولادنا تجي سريع عندنا مهوره
مبارك

بعدَ ذلك رفَضَ الشيخ عيدانْ أن يحضُر من العِمارة إلى الناصرية وعَرَفَ بقِصةِ عَمِه مع هذه العائلة وعدم جواز الطقوس لهُم, وكانت تَصِلهُ البرقيات الكثيرة مِنهُم ولمُدّة أشهُر ويُريدونه أن يأتي لهُم ولكنه رفضَ أيضاً وقال بأنّ عَمّهُ الشيخ صحن موجود هُناك ويستطيع القيام بالطقوس لهُم فأجابوه بأنهُم لا يقبلوا عمّه (البرقيّات رقم ٤ – ٥) في ١٧ أيلول ١٨٨٩ لغاية ١٣ آذار ١٨٩٠ (أو ١١ أيار).

البرقية رقم ٤
22 محرم 1307 إلى 17 أيلول 1889 الثلاثاء
22محرم1307_17أيلول1889
عماره عيدان صبي
عمك ما نقبله بختك لا تعوفنا ديننا — عرفنا
مبارك شهر

البرقية رقم ٥
22 رجب 1307 إلى 13 آذار 1890 الخميس
أو 22 رمضان 1307 إلى 11 آيار 1890
22رجب1307_13آذار1890
عماره عيدان صبي
عمك مانقبله بختك لاتعوفنا ديننا — عرفنا
سواد ازويد

لقد خافت هذه العائلة مِن افتضاح أمرَهُم بعدم جواز إجراء الطقوس الدينية لَهُم فبدأوا بوضع خُطّة بمُساعدة الجهات التبشيرية البريطانيّة والفرنسيّة المُتنفّذة في ذلك الوقت, وهي بأن يقضوا على جميع الشيوخ من عائلة الشيخ صَحَنْ وأبناء أخيه.

وفي ١٤ أيلول ١٨٩٠ جَعَلوا الشيخ جودة والذي كانَ أسيراً لديهِم بأن يُرسل برقيّة استغاثة لبيت أخيه الشيخ عيدانْ في العِمارة لكي يفتديهم بالمال (برقيّة رقم ٦)

البرقية رقم ٦
30 محرم 1308 إلى 14 أيلول 1890 الأحد
30محرم1308_14أيلول1890
عماره عيدان صبي
الطارش وصل حسن اذكرنا محبوسين عنده لا تشتكي لا عند فهد ولا غيره شروط الفدية انطيها
التريده عليها جودة

ولكن المال لم يكُن هو الدافع لهؤلاء فرفضوا أي شيء غير قدوم الشيخ عيدان بنفسه وبعد عِدّة أشهُر وافق الشيخ عيدانْ بأن يأتي لهُم بنفسه وأن يفتدي أخوته الأسرى وأرسلوا له مكان اللقاء (برقيّة رقم ٧)

البرقية رقم ٧
28 جمادي ثان 1308 إلى 7 شباط 1891 السبت
28جمادي_ثان1308_7شباط1891
عماره محي صبي
خبر عيدان احنا جايين مضبطه وديناه للوالى اذا طب البصره يعرفنا تيل عجل
مبارك

وحَضَرَ الشيخ عيدانْ من العِمارة ولكنهُم لم يُطلقوا الأسرى, وذلك حَسَب مُتطلبات المنظمات الخارجيّة وطقوسهُم التي كانت تقوم على تقديم القرابين لآلِهتَهُم عبر التضحية بشخص ذو شأن مِن أعدائهُم في نفس يوم عيدَهُم. وهذا مُتعارف عليه لديهم. أمّا المندائيون فيُحَرِّمون القرابين, ولهذا فقاموا بعمل الطقوس اللازمة لهذه الجريمة وبعد أن سَمَحوا للشيخ الشهيد بأن يتوضأ في أول صباح لعيد البرونايا, أطلقوا رصاصة الغدر في قلبه في ذلك المكان الذي وَصَفَه حفيدَهُم (مزرعة معزولة تقع على النَهَر) حيث قامت نفس العائلة التي قُتل الشيخ عيدان في أرضهم المعزولة والمسيّجة بتلفيق قصة لا تُعقل بعد أن غَدروا بالشيخ، فقالوا بأن عمّه ووالد زوجته وأبيه الروحي الذي كرسه للسلك الديني, كان هو من أرسل القاتل بسبب خلافهم على أجور المهر والطقوس متناسين بأن الشيخ صَحَنْ كان من أغنى المندائيين كما نقرأ من أزهار الشيخ مران الصابوري, ومن مصادر أخرى تُنشر لاحقاً. فكانت أراضي الشيخ الزراعيّة كبيرة جداً بالإضافة للعقارات والمحلات وسفن الصيد, وفوق كل هذا فهو رئيس الطائفة وشيخ جليل يخاف ربّه بشهادة جميع التوثيقات, ولم نسمع بقصّة لمعتوه يستطيع قتل أبن أخيه الذي زوجّه أبنته وكرّسه للسلك الديني ولا حتى مع أعتا المُجرمين, فكيف بكنزبرا ناصورائي تقي عُمره كان يقترب من التسعين وثلاثة من أبنائه الأربعة كانوا شيوخ وثلاثة منهم جابر وجادر ونادر متزوجون من أخوات الشيخ عيدان وأختهم صبريّة متزوجة من الشيخ جودة شقيق الشيخ عيدان؟

بعد أن غدروا بالشيخ أبقوا الأسرى في التعذيب ليساوموا ذويهم بالكتمان ولكي لا تثور العشائر المندائية ضِدّهُم (برقية رقم ٨) وإلا فسوفَ يقتُلوهُم جميعاً ويُلصقون التُهمةَ بأعداء غادرون. فسكتَ الشيوخُ المُسالمون الذينَ يُقتَلونَ ولا يقتِلون ويُظلَمون ولا يَظلِمون, ولَم يكُن هنالك مَن يستطيع مُساعدتهُم ومُجابهة سُلطة الوالي العُثماني الفاسدة والمُرتَشية.

البرقية رقم ٨
9 شعبان 1308 إلى 19آذار1891 الخميس
9شعبان1308_19آذار1891
عماره عيدان صبي
— وصل الساعي مني اخوتك احبهم ماتو غدر لاتسوى تجي انفكهم اما تهلك وراهم تجي عرفنا
مبارك.

أنّ دافع القتل من تلك العائلة بسبب عدم أجراء الطقوس لهم من قبل عائلة الشيوخ هو كبير ولا يُمكن أنكاره. وهَل مَنَعَ عنهُم الطقوس بسبب خروجَهم على الدين المندائي أم بسبب رغبتَهُم في إيذاء الدين المندائي ومُساعدة التبشيريين التابعين للمنظمات المسيحيّة الغربيّة الذين كانوا يريدون أبدال الدرابشا المندائي بالصليب المسيحي، والذي كان الشيخ صَحَنْ وأبنائه وأبناء أخيه شوكَة في خاصِرَتَهُم؟

فكانوا يتوسلون للشيخ عيدان أن يأتي إليهِم لغرض الطقوس وكان هو يرفُض ذلك حسب البرقيات, ولأنهم في البداية كانوا يتذرّعون بالطقوس لجلب الشيخ عيدانْ وأسره ولكن الشيخ الناصورائي كان قد عرف بخطتهم فلم يأتي لهم, ولغاية أن بدأ تهديدهم بقتل أخوته الأسرى لديهم (برقيّة ٦) حيثُ نُلاحظ بأنَّ الهجوم كانَ على جَميع الشيوخ من هذه العائلة وامتداداتها في العِمارة. ومِن البرقيات نَعرِف بأن الشيخ عيدان لم تكُن لديه أية مشاكل مع عمّه ووالد زوجته الشيخ صَحَنْ بدليل البرقيّات (رقم ٤ و ٥) والتي يقول لهم فيها بأن يذهبوا لعمّه لغرض الطقوس. ولكن المشاكل بدأت بين الشيخ صَحَنْ معَ تلك العائلة عِندَ توقفه عن إجراء الطقوس ومَنعَه شيوخ دارته أيضاً وهذا حسب تواريخ الوثائق المُرفقة, وهذا ليس أدعاء فنحنُ أبناءُ النور لا نرمي التُهم جزافاً ونحتَرم الجميع ولا نُهينُ أحداً إلا مَنْ يهينُ نَفسَه.
“لاتُبَدِّلوا في الكلامْ, ولاتُحبُّوا الكَذِبَ والآثامْ” الكنزا ربا اليمين

وبعد أن قُتِلَ الشيخ عيدان بمدة من الزمن, وبمُساعدة الوالي العثماني المُرتشي فقد لفقوا تُهمة للشيخ صَحَنْ بكونه ضمن الثورة العربيّة ضد العثمانيين التي كان يقودها حَسن خيون الأسدي. فأسروا الشيخ صَحَنْ وأولاده الشيوخ, ولم يكونوا راغبين ببقاء أي أحد من شيوخ هذه العائلة خوفاً منهُم بأن يُفشوا السِر. وهو إمّا خروجهُم عن الدين المندائي أو تعاونهُم مع التبشيريين الغربيين الذين كانوا نَشطين في تلك الفترة والذين كانوا يُريدون تنصير جميع المندائيين ويجزلون العطاء لمن يُساعدهُم, وذلك لأن الكنيسة كانت هي التي تَحكم الدول الغربيّة في ذلك الزمان, وأنّ الدين المندائي يمثّل تهديداً جديّاً لفلسفتهم الدينيّة.

فسكتَ من تبقّى من الأقرباء الذين كانوا يَعرفون القصّة التي حَدَثت, خوفاً على حياة مَن تبقّى من إخوانِهم وهَرَبَ الشيخ ثامِر والشيخ جادِر ولدي الشيخ صَحَنْ الآخرين إلى الأهواز, ولكن الشيخ صَحَنْ وأولاده جابر والشيخ نادِر بقوا في سجون الوالي العُثماني بحجة الثورة على الدولة العثمانية ومساعدة الخيون في ثورته. وفي السجن تمّت تصفية جابر لأنه لم يكن ضمن السلك الديني.

“إنْ أصابَكم سوءٌ فاصبِروا, واثبُتُوا في إيمانِكم” الكنزا ربا اليمين

وأمّا الشيخ صَحَنْ وأبنه الشيخ نادِر فقد تركوهم في السجن, فتوفيَّ الشيخ صَحَنْ بعد أشهر قليلة من أسره. حيث كانت أبنته مكيّة زوجة الشيخ عيدان تجلب له الماء من النهر وبعض الطعام كل يوم إلى السجن, وهي تسير مسافات طويلة كما تروي لنا عمتنا حلوة الشيخ آدم الشيخ جادر زوجة المرحوم زهرون وهام الشيخ سام أطال الله عمرها. وبعد فترة أُخرج الشيخ نادر بمُساعدة أقرباءه وتأثير الشيوخ المندائيين الآخرين ودفعهُم الرشى للسجّان العُثماني. وقامت السلطة العُثمانية بالاستيلاء على جميع مُمتلكات وأراضي الشيخ صَحَنْ فهم كانوا يعتبرون بأن أملاك الصابئة حلال نهبها.

ونعود لنأخذ ما تمّ ذكره عن قصّة الشيخ صَحَنْ ضمن الأرشيف البريطاني لمراسلاتهم القنصلية في العراق, والخاصّة بالصابئة خلال فترة الاحتلال العثماني.

فحيث أن الاضطهاد للصابئة كان مُمنهجاً ضدهم من قبل العثمانيين على جميع الأصعدة. فهم كانوا يفسحون المجال للمجرمين وقطاع الطرق بأن يضطهدوا المندائيين فيختطفون النساء المندائيات ويحولوهن بالإكراه عن دينهن, وكانوا لا يلاحقون الجناة الذين يقتلون الصاغة المندائيين ويسرقون أموالهم, وأن تساهلهم مع تلك الجرائم كان بسبب كونهم مُسلمين بينما كانوا يُكفّرون المندائيين. وكذلك كانوا يمنعونهم عن أداء طقوسهم وشعائر دينهم. ولكن هذا التعصّب العثماني الأعمى والظُلم الذين أذاقوه للعراقيين طوال أربعة قرون, كان لا يقل عن الخُبث البريطاني الذي أستغّل تلك الأوضاع ليبرر أحتلاله للشعوب العربيّة بحجة تحريرها. فكانوا يحتاجون للتذرّع بالظلم الذي وقع على الطوائف المسيحيّة لكي يستثيروا القوى السياسيّة الغربيّة التي كانت تتحكّم بها الكنيسية. فقاموا بتسمية المندائيين بأتباع يحيى الصابغ وهي ترجمة ليوحنا المعمدان الاسم المسيحي ليهيا يهانا. وفي نفس الوقت الذي كانوا فيه يحفرون للعثمانيين فخاً. ولكنهم كانوا يتسابقون مع الفرنسيين لتنصير المندائيين عبر محاولاتهم لوضع الصليب بدل الدرابشا المندائي وكذلك أفتتاحهم للمدارس المسيحيّة الموجّهة ضد المندائيين, وأغراء ضِعاف الإيمان منهم بالأموال وبإعطائهم الملاذ الآمن إن هم تحولوا عن دينهم للمسيحيّة. وهذا أنّ وجود الدين المندائي المُرتبط بصورة وثيقة مع ديانات بلاد الرافدين القديمة, كان يُلغي القِدم والتفرّد عن الدين المسيحي الذي احتفظ بالسِمات الشكليّة من التعاليم المندائيّة ولكنه أبتعد جوهريّاً عنها وتم إلحاقه باليهوديّة. وفي نفس الوقت فأن المسيحيّة هي الرابط السياسي للدول الغربيّة, ولهذا فهم لا يقبلون ببقاء أي تهديد فلسفي لها.

مُقتطفات من المراسلات

1 * “وفي تقرير آخر في 28 كانون الأول 1895 كُتب بأن شيخ الصابئة صَحَنْ كان قد أعتُقِل وجُلب من المدينة (القرنة) إلى البصرة.

لقد كُتب بأن الشيخ قد أعتقل للاشتباه بكونه مُشارك في الثورة العربيّة ضد الحُكم العُثماني في المدينة, وأنّ الصابئة قد سُمح لهم بزيارة شيخهم وجلب الطعام له.

وفي ملاحظة, من قبل كاتب غير معروف ضمن التقرير, في المدينة التي هي فوق القرنة على نهر الفرات. أحد الشيوخ العرب من قبيلة بنو أسد وهو حسن الخيون كان قد ثار ضد الحكم التركي في آب 1895. وان المسؤولين العثمانيين يبررون الاعتقال بأن شيخ الصابئة الشيخ صَحَنْ كان هو الذي يورد الذخيرة إلى حسن الخيون ليستعملها في مدافعه. بينما كانت مُعظم القضايا تتعلّق باضطهاد الصابئة من قبل العرب, هذه المرة شيخ الصابئة هو مُتهم بتزويد الأسلحة إلى القبائل العربيّة.

أن التقرير البريطاني بتاريخ 21 كانون الثاني 1896 يُصرّح بأن الشيخ صَحَنْ كان قد نفى التُهم.”

2 * “التقرير الذي كُتب عام 1898 بعد سنتين من نهاية القضية, بأنه وخلال محاكمة الشيخ, الصابئة كانوا قد أدعوا بأن المحكمة لم تكن عادلة, وطالبوا القنصلية البريطانية بتمثيلهم في المحكمة المحلية. وكأساس لذلك فقد أظهروا بأنهم بالرغم من كونهم مواطنين عثمانيين فأنهم كانوا قريبين من المسيحية.

لقد كان أفراد المجتمع المندائي يُشددون على براءة الشيخ صحن, والذي كان مُتهماً بتزويد الثوار بالمدافع والقذائف خلال الثورة التي اندلعت في المدينة 1895.

وطالب الصابئة بإنهاء احتجاز الشيخ, ولكن القنصل البريطاني ومُترجم الحاكم العثماني قالوا بأن جريمة الشيخ قد ثُبتت في المحكمة.”

ونقرأ من تلك المراسلات بأن قضيّة الشيخ صَحَنْ كان لها طابع سياسي لدى كل من العثمانيين والإنكليز, فحيث قام الحاكم العثماني المُرتشي بجعل الشيخ صَحَنْ وأبنائه ضمن أعداء الدولة العثمانيّة المُباشرين فكال لهم التُهم جزافا. وأستغل الإنكليز هذا الموضوع للترويج داخلياً وخارجياً على أنهم قادمون لتحرير هذه الشعوب, ولكنهم بنفس الوقت كانوا مُشاركين بجريمة القضاء على سلالة الشيخ الذي كان بالضد من سياساتهم التبشيريّة. وكما نقرأ بأنه وبرغم كون جميع السياسيين البريطانيين في العراق كانوا يدِينون الظُلم العثماني ضد الصابئة بقوّة وبصورة علنيّة, ولكن القنصل البريطاني في حالة الشيخ صَحَن فهو كان يُبرر للحاكم العثماني جريمته, بالرغم من انهم يُعلنون برغبتهم بالمساعدة. ولكن أهل بلاد الرافدين الابرياء والصادقين لم يكونوا يعرفون هذا النوع من الكَذب الذي تمارسه السياسة الغربيّة عبر الابتسام للضحيّة وذرف دموع التماسيح عليها, وربما لم يكن لهم خيار بمواجهة الظلم العثماني وحكمه الفاسد سوى تصديقهم.

لقد كانت معظم المراسلات البريطانيّة تُحاول أبراز الظُلم الذي يُكيله الحُكم العثماني الذي يصفونه بالإسلامي وتستّره على المجرمين الذين يظلمون الصابئة لأنهم مسلمون. ولكن في حالة الشيخ صَحَنْ فهو كان بعلاقات متميّزة مع العشائر العربيّة المُسلمة وهذا الموضوع لم يكن يَصُب في صالح أجنداتهم بتصوير قوّة العداء بين المسلمين وغير المسلمين في العراق وباقي الدول التي احتلوها, ولأن جميع الحروب الغربيّة الاستعماريّة عبر التاريخ هي ذات طابع ديني وهي الحروب الصليبيّة المُستمرّة منذ ألفي عام. وكذلك فأن الثورة العربيّة لو كانت قد نجحت وطردت العثمانيين, فلم يكن قد تبقى من سبب للإنكليز لكي يحتلوا العراق, ولهذا فالمُرجّح بأنهم قد عملوا بالضد من تلك الثورات الوطنيّة.

وللتاريخ فنحن لا نعرف إن كان الشيخ صَحَنْ وأبنائه قد ساهموا فعلاً بتزويد الثورة العربيّة ضد العثمانيين بالمدافع والذخيرة, وهو طبعاً شرف كبير لهم إن كانوا قد فعلوا ذلك لتخليص شعبهم من الاستعمار وجرائمه. ولكننا نعرف بأن السلاح والقتل لأي سبب هو مُحرّم في المندائيّة ولم يكن الشيخ صَحَنْ ليساهم بذلك لأنه يعرف التعاليم جيداً, كما وأنه نفى ذلك, وإنما هي تُهمة قاتلة من أعدائه. كما وأنّ الاحتلال العثماني الظالم كان يتعمّد نشر الجهل والتخلف والتشرذم في المجتمع العربي ككل, ولهذا فهم كانوا يحاربون أي مجموعة تعمل بصدق للوحدة الوطنيّة أو لتعليم المُجتمع ونشر قيم الأخوّة والتعايش.

حيث تُروى حادثة من زمنه بأن أحد أصدقائه من شيوخ العشائر المُسلمة قد أخبره بوجود نيّة لأفراد من عشيرة أخرى بأن يأتون في يوم معين لينهبوا أملاك الشيخ صَحَنْ, ولكن الشيخ وبدلاً من أن يستعد لهم مع أهله وأتباعه بالسلاح والكمين فهو كان قد جهّز وليمة كبيرة وجلس ينتظر هؤلاء السُراق الذين دُهشوا عندما وصولوا ووجدوهم منتظرين, فدعاهم للطعام وبعد ذلك أعطاهم من الحلال وأخذ عليهم العهد أن لا ينتهجوا السرقة ولا يكرروها بعد ذلك. وأنّ الذي يفكر بهذا المنطق النابع من كتبنا المندائيّة التي تقدّم السلام والمحبّة على العنف والانتقام, فهو لا يُمكن أن يُدخل نفسه وعشيرته التي تتبعه بحروب وصراعات.

3 *”برقيّة مكتوبة بالعربية مؤرخة بتاريخ 18 كانون الأول 1878 تحتوي على شكوى ضد حاكم البصرة عبد الله باشا, كانت قد أرسلت إلى أسطنبول. البرقية كانت مقدمة من قبل الصابئة الذين يعيشون في الناصرية وأرسلت مع 72 توقيعاً..

المستند في 1 آذار 1879 في البرقية التي أرسلها إلى روبرتسون في البصرة. كتب اللواء نكسون نائب القنصل في البصرة بأن خمسة فتيات من مُجتمع الشيخ في سوق الشيوخ كُن قد أختُطفن رُغماً عنهن. وان على الحاكم العثماني أن يتخذ إجراءات للموضوع.

قال القنصل البريطاني في البصرة روبرتسون في رسالته بأنه كان قد ناقش القضية مع الحاكم التركي في البصرة عبد الله باشا, وسأله كيف سمح بغلق مثل هذه الجريمة الكبيرة بدون تحقيق. ولكنه لم يحصل على جواب مقنع. وأقر روبرتسون بأنه في ضوء هذه الإدارة العثمانية فأن الصابئة ليس لهم أمل بتحقيق العدالة والأفضل أن ينتظروا أدارة جديدة.. وفي نهاية رسالته وصف روبرتسون عبد الله باشا بأنه متعصّب دينيّاً وبأنه شخص ضعيف.

وضمن ادعاء روبرتسون, فأن الحاكم التركي عبد الله باشا هو فاسد ويعتاش على الرشوة وهو مُنحاز.”

4 *”في 24 آذار 1891 مُمثل بريطانيا في مومباي كتب رسالة إلى بغداد بأن الالتماس المقدم من قبل بعض الصابئة من مدينة الناصرية بأنهم يريدون أن يكونوا تحت الحماية البريطانية. وأن طلبهم قد تمت دراسته.

وفي رسالة أخرى كتبت إلى صاحبة الجلالة في 18 آذار 1896, وهي تحمل أختام الكثير من الناس. لقد أدعوا بأن الصابئة في العراق وأجزاء من إيران بانهم يواجهون مشاكل جدية وبأن دينهم قد تم إضعافه.”

وكما نقرأ فأن الاضطهاد ضد المندائيين كان من جميع الأطراف الخارجيّة, ولم يَرحمهم أحد ولم يحمهم أحد ولكن أشد الظُلم هو الذي أتاهم من خيانة أتباعهم.

لقد كانت العلاقة والمُصاهرة قويّة وحميمة بين عوائل الشيخ بهرام المندوي وعدم أنقطاعها أبداً قبل وبعد تلك الأحداث الأليمة, فقام الشَيخ دَخيل الشيخ عيدانْ بتكريس الشيوخ آدم وعبد أحفاد الشيخ صَحَنْ دينيّاً, وكانوا يقومون بالطقوس سويةً. وكذلك قام الشيخ الجليل بتزوّيج أبنتيه إلى ولدي الشيخ عَبد حفيد الشيخ صَحَنْ, وتوجد عشرات الأدلِّة التي توثّق الزواجات بين أبناء وبنات العم من العائلتين حصراً بسبب نقاء النَسَب الذي هو أساسي بالنسبة للسلك الديني المندائي, وفيما يلي البعض من تلك الأدلة.

* جابر الشيخ صَحَنْ زوجته كرطاسه الشيخ داموك أخت الشيخ عيدان

* الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ زوجته وضحه الشيخ داموك أخت الشيخ عيدان

* الشيخ نادر الشيخ صَحَنْ زوجته فركاسة الشيخ داموك أخت الشيخ عيدان

* مكيّة الشيخ صَحَنْ زوجها الشيخ عيدان الشيخ داموك

* صبريه الشيخ صَحَنْ زوجها الشيخ جوده الشيخ داموك شقيق الشيخ عيدان

* نعمان الشيخ عبد الشيخ جادر زوجته حياة الشيخ دَخيل الشيخ عيدان

* جبار الشيخ عبد الشيخ جادر زوجته وهيبه الشيخ دَخيل الشيخ عيدان

أنّ سلالات الشيوخ المندويّة هُم من أقدم السلالات الناصورائيّة وهُم السُكان الأصليين لمدن الجنوب العراقي التي تقع على نهري دجلة والفُرات, بينما توجد سلالات ناصورائيّة أخرى كانت قد هاجرت من المدن المندائيّة في الأهواز ودزفول وشوشتر خلال القرون القليلة الماضية بعد أن احتلتها إيران. ولهذا فقد كانت الدرجات الدينيّة العليا ورئاسة الصابئة محصورة بهم. وهذا قد أشارت له دراور في كتابها الصابئة المندائيون النُسخة الإنكليزيّة ص١٣٠.

“الطراسة يجب أن تكون باسم ريش امه, وفي هذه الحالة كانت باسم بهرام يهيا وهو من الأجداد القدامى للشيخ رومي نفسه, ولهذا فهو كان يُمثّل أسلافه.

أنّ الريش امه يجب أن يكون من عائلة المندويّة العريقة في السلك الكهنوتي”

The Mandaeans of Iraq and Iraq, E.S. Drower P130

لقد تعَرضَت هذه السُلالة الدينية العريقة إلى مؤامرة كبيرة للقضاء على جميع أفراد السلك الكهنوتي فيها، وذلك بالقضاء على الشيخ عيدانْ وعلى عمّه الشيخ صَحَنْ وأولاده الشيوخ, وكذلك بتخويف مَن تبقى من هذه العوائل بالتصفية وبالتالي هروبهُم إلى الأهواز وسكوت مَن تَبقى مِنهُم, وقد تَمَّ ذلك بترتيب ومُساندة من أعداء الطائفة.

“وأنتُم يامَن اضطُهِدتُم في الدُّنيا وأنتم صامتون. سأُلبِسُكُم نوراً, وأُلبِسُ مُضطَهديكم الخزيَ والهوانَ فأين يذهبون” الكنزا ربا اليمين

لقَد مَرَّ وقت طويل جداً على هذه الجريمة ولكنها رَفَضَتْ أن تَضيعَ معَ الزمن. لأن مَن ظُلِموا بِها غدراً هُم الآنَ عِندَ رَبِهُم خالدوْن، وهُم من رَتَبَ ظهور الوثائق بالوقت المُناسب, ولكنّ مَن ساعدَ في فَتحِها وفَكِ رموزِها هُم الغِربانُ والضِباع الذينَ كانوا يُشهِّرونَ ويَنهَشون بسيرة اللؤلؤ والمَرجان وراء ظهورِنا. فعرفنا لمن تعود تلك الأسماء في البرقيات وكذلك أماكنهم ونفوذهم من خلال القصّة التي ورثها أحد أحفادهم من أهله واستخدمها للتشهير, والتي كانوا قد لفّقوها في ذلك الزمان ليُقنعوا بها المُجتمع المندائي ببراءتهم عن جريمة قتل الشيخ عيدان التي حَصَلت في مزرعتهم, أو أنها كانت الأساس الذي استعملوه ليرشوا الحاكم العثماني لغرض تدمير سلالة الشيوخ التي حَكَمت الطائفة في بلاد الرافدين طوال القرون السابقة ولغاية مُنتصف القرن العشرين. وقد قال أحدهم “بأن الحقيقة قد تختفي فترة ولكنها لن تضيع” وقد صَدَقَ, وعليه نُطالب جميع الجهات التي نَشَرت القصة الباطلة السابقة والخالية من أيّة أدلّة وإثباتات, بأن تنشُر هذه القصة الحقيقية التي ترويها الوثائق والحقائق. لقد طبّل بعض المُلحدين للقصّة الكاذبة التي قالت بأن الشيوخ يقتل احدهم الآخر ولو كان ابن أخيه ونسيبه فيغمزون ويلمزون, وهذا لأنهم يكرهون الدين ويكرهون رجال الدين. فكانوا ينشرونها في مواقعهم مُتذرّعين بنشر التاريخ المندائي. وها نحن قد نشرنا بعضاً منه ولدينا المزيد, لولا حرصنا على أبقاء الرَمق الأخير للطائفة التي تَئن من تسلّط هؤلاء على المندائيّة لمصالحهم الشخصيّة.

“أنَّ مندادهيّي يقول : كلُّ نفسٍ تُسألُ هيَ عن أعمالِها. لاتُشاركُ نفسٌ نَفسا, ولاتَتَحمَّلُ نفسٌ نَفسا” الكنزا ربا اليمين

وهذا بأن الأجيال غير مسؤولة عن أفعال من سبقهُم ونحنُ مُتحابون مع الجميع, ونعمل بمبدأ “عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ” القرآن الكريم المائدة٩٥ .

عَبد الحَميد الشيخ دَخيل الشيخ عيدانْ الشيخ داموك
سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ

البحوث المُنجَزة عام 2022

البحوث المُنجَزة عام 2022

أهلنا المندائيين الكِرام وأصدقائنا وإخواننا في الإيمان.

يقول كتابنا المُقدّس الكنزا ربا “رأسُ المحبَّةِ أن تُشاركَ إخوَتَكَ في محبَّة ربِّك”

ولهذا فنحن نقوم بهذه البحوث منذ سنوات, والتي هي زدقا نُقدمها عن طيب خاطر لمُستحقيها, وليس لأن لنا مصلحة أو فائدة دنيويّة منها سوى مُشاركة محبّة الحيّ العظيم ونشر تعاليمه.

تمنياتنا للجميع بالسعادة وراحة البال وكل عام وأنتم بخير.

سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ

هي أصدَق الصِّدق: الأمَانَة

هي أصدَق الصِّدق: الأمَانَة

“لا تَسرِقوا من شُركائكُم وأحبابكُم بالغَدرِ والخيانة.

أنّ الذي يَسرِق من رَفيقه ومن شَريكه، لن ترى عيناهُ النور.” الكنزا ربا اليمين

يتدرّج الناس في كل صفاتهم ويختلفون عن بعضهم فيها, ولكن ميزة الصدق إن وُجدت في صاحبها فهي المفتاح الذي يفتح له باقي الأبواب ويُقرّبه من الجميع. وأنّ الوصول لأعلى درجات الصدق يجعل صاحبه يؤدي الأمانة في كل شيء, فيُصبح أميناً ويتربع في أعلى سُلّم الأخلاق بمقياس الإنسانيّة, فمُنذ نشوئها كانت تُحاول أن تَقيس نفسها لتُحاكي عالم المُثل والقيم العُليا التي وصفوها بأنها موجودة فقط لدى الإله, لشدّة صعوبتها على من لم يَكُن الإيمان الكامل قد دَخَلَ قلبه وجَعله يؤمن بما لم ترهُ عينه, فيُطيع ويُلبي ضميره وقلبه قبل مخافته من العقاب.

ويأتي لنا وَصف الأثريين في عالم النور, الذي كان أجدادنا الناصورائيون يُحاولون التشبّه به إلى أدق التفاصيل. فكان مُجتمعهم الصادق يتشبّه بالصفات العُليا للإله ولأنه طيّب ونقي, ولا يقبل أن يُقرّب له سوى مَن كان يَحمل صفاته أثناء أختباره في العالم الأرضي عندما كان في لِباس اللّحم والدماء. وهذا هو جوهر الفلسفة التي أخذها عنهم اليونانيون القدماء كما تُخبرنا بذلك الدراسات عن فيثاغورس وباقي الفلاسفة (رابط).

“كلُّهم لُطَفاءُ طيّبون, وحُكَماءُ صادقون. لا إساءةَ فيهم ولا خِداع. بَعضُهُم يَحلُّ في منازلِ بعضٍ لا يُخطِئون , ولا بعضٌ إلى بعضٍ يُسيئون. مُعزَّزون مُكرَّمون. كمِثْلِ أهدابِ العَينِ مُتَشابهون. نَواياهُم بعضٌ لبعضٍ مكشوفةْ. وأَخبارُ ما تَقدَّمَ وما تَأخَّرَ لَديهِم مَعروفةْ. يُنير بَعَضُهم بَعضاً , ويُعَطِّرُ بَعضُهم بَعضاً , ويَمدُّون الكشطا بعضُهم إلى بعض” الكنزا ربا اليمين

ولو نتأمّل في هذا الوصف الجميل عن صفات الأثريين في عالم النور كما يأتي في كتاب الكنزا ربا, فنجد بأن الصِفة المُشتركة بينهم جميعهم هي الصِدق الكامل والذي هو الأمانة, ولو أنه لم يكن موجوداً وحتى ولو بدرجة صغيرة فلن يتحقق أي شيء مما ذُكر عن وصف الأثريين هذا وينتهي نقائهم الكامل.

لقد عُرِفَت الحضارات الأصيلة وأولها بلاد الرافدين بالصدق, وكذلك أمتداداتهم المُجتمعيّة في دول الخليج. ولكن وللأسف فقد قامت العولمة في العصر الحديث بنشر جميع الصفات البذيئة بين البشر ولم يعد النقاء والصدق والأمانة كثقافة عامّة للشعوب, بل أصبح الغدر والسرقة والخيانة يتم تدريسها للناس من خلال نشر ثقافة الفساد في الإعلام بوصفها طريق تحقيق الأماني.

طوبى للذي يَحفظ نَفسه من الكَذب والخيانة فأنها في قعر عالم الظّلام.

“باسمِ الحيِّ العظيم

إنَّهُ صوتُهُ الَّذي ينادي

صوتُ الحيِّ العظيمِ ينادي

مَن لهُ آذانٌ فليسمَعْ

وليُحذِّر نفسَهُ ويخشَعْ

طوبى لمن عَرَفَ الصَّلاح وَسَعى إليه

طوبى لمن عَرَفَ ذاتَه ..ومَن أضاءَ قلبُهُ حَياتَه

طوبى للعادلين ..إنَّهم الى بلدِ النُّورِ يَصعَدون” الكنزا ربا اليمين

سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ

مقالة: فيثاغورس ومُعلمه الناصورائي الساحر